كشف الأمين العام لـ"حزب الله" الشّيخ نعيم قاسم، "أنّنا عرفنا بـ"طوفان الأقصى" يوم السّابع من تشرين الأوّل 2023، كما عرف العالم، والإخوة في قيادة حركة "حماس" في الدّاخل قاموا بهذا الإجراء العظيم والمؤثّر والانقلابي والّذي غيّر وضع المنطقة، لكنّنا لم نكن نعلم به"، مبيّنًا أنّ "بعد نصف ساعة على بدء عمليّة "طوفان الأقصى"، وصل خبر إلى الأمين العام السّابق للحزب السيّد حسن نصرالله أنّهم بدأوا الطّوفان من غزة، ونريد أن نرى ماذا يمكن أن يفعل "حزب الله"، مع التمنّي أن يفتح المعركة الشّاملة".
وأشار، في مقابلة مع قناة "الميادين"، إلى أنّ "للوهلة الأولى، كان لا بدّ من التّداول لمناقشة القرار. وأوّل فكرة بادر إليها السيّد نصرالله، هي إعطاء الأمر في اليوم التّالي بقصف مزارع شبعا، على مبدأ أنّها أرض لبنانيّة محتلّة، فيردّ الإسرائيلي، ونردّ نحن بقوّة أكبر، بانتظار اجتماع مجلس الشّورى. بعدها، اجتمع المجلس وقرّرنا الدّخول في معركة إسناد وليس حربًا شاملةً، لأنّ الحرب الشّاملة يجب أن تكون لها استعدادات مسبقة".
وركّز قاسم على أنّه "كان هناك ثمن أن يفتح "حزب الله" المعركة بشكل شامل، على قاعدة أنّها ستكون استثنائية ويمكن أن تعطي نتائج غير عاديّة. والدّخول في حرب شاملة يجب أن يكون له استعدادات، وهو ما لم يكن متوافرًا، لذلك كان لا بدّ أن ندخل بعمليّة المساندة بشكل محدود، وأن نرى التطوّرات، وعلى أساسها نحسم خيارنا أكثر. وبعد نحو أسبوعين على المساندة، ترسّخ لدينا أنّنا يجب أن نخوض حرب مساندة وليس حربًا شاملةً، والسّبب أنّ المساندة تحقّق الأهداف المطلوبة".
وأوضح "أنّنا لو خضنا الحرب الشّاملة، لكان هناك دمار وخراب وتدخّل أميركي وتوسّع للأمور على نحو أكبر، من دون تحقيق الأهداف المطلوبة. لكن الهدف من المساندة كان التّخفيف عن غزة، ودفع الإسرائيلي نحو الذّهاب إلى الحل"، لافتًا إلى أنّه "لم يكن هناك تنسيق مسبق في بداية المعركة ولم نكن نعرف بها، وبالتالي لا نستطيع الدخول في معركة شاملة. وقد وصلتنا رسالة من غزة عبر أحد ما في لبنان، وكانت رسالة من محمد الضيف شخصيا".
كما أفاد بأنّ "بعد مرور شهرين، أبلغنا الأخوة في "حماس" بأنهم مقتنعون بأن المساندة تكفي وتؤدي الغرض المطلوب. وقد تبين أن الإسرائيلي متغول جداً والدعم الأميركي مفتوح بشكل مطلق، ومع هذا الإجرام الإسرائيلي غير العادي كانت قناعتنا أن ما هو أكثر من المساندة لن يحقق المطلوب"، مؤكّدًا أنّ "المساندة أخذت بالاعتبار كيف نخدم غزة، وفي آن معا كيف لا نلحق الضرر بلبنان".
وذكّر قاسم بأنّ "نصرالله كان دائما يكرر نحن لا نريد حربا في لبنان، وكنا نأخذ بالاعتبار الوضع اللبناني بما لا ينعكس سلبا على طريقة الأداء في المواجهة"، مشيرًا إلى أنّ "وحدة الساحات كانت فكرة، لكن لم يتبلور شكل تنظيمي لها. وعندما جاء "طوفان الأقصى"، بدأ التنسيق تحت عنوان وحدة الساحات الطبيعية، بسبب وحدة الأهداف التي نؤمن بها بشكل مشترك. وكل ساحة قدمت في مواجهة الكيان الإسرائيلي بحسب تقديراتها وظروفها".
وأضاف: "معلوماتي أن إيران لم تكن على علم بطوفان الأقصى، بل حتّى أن قسما من قيادة حماس بالخارج لم يكن على علم بها كذلك. والإيرانيون درسوا وقدموا بما اعتبروا أنهم يستطيعون القيام به في هذه المرحلة"، مبيّنًا أنّ "الدعم عسكريا وماليا وسياسيا وإعلاميا واستخباريا وكل ما يرتبط بهذا الأمر كانت إيران تقوم به".
كما لفت إلى "أنّنا شكلنا لجنة تحقيق مركزية بحادثة انفجار أجهزة "البيجر"، ولم ينته عملها بالكامل، وأنشأنا معها لجان تحقيق فرعية في قضية البيجر واستشهاد السيدين نصرالله وهاشم صفي الدين"، موضحًا أنّ "اللجنة المركزية ما زالت تعمل، لكننا وصلنا إلى بعض القواعد العامة الواضحة تماما بناء على التحقيقات".
وشرح قاسم أنّ "موضوع البيجر بدأ بثغرة كبيرة، بحيث كان الإخوة يعتقدون أن عملية الشراء مموهة، لكن تبين أنها كانت مكشوفة للإسرئيلي، وأن نوع المتفجرات الذي وضع في البيجر استثنائي ولا يمكن كشفه عبر آلية الفحص التي كان يتبعها الإخوة. وعملية شراء أجهزة البيجر المتفجرة تمت في السنة أو فترة السنة ونصف السنة الأخيرة".
وتابع: "يُحكى أنه كان يجب أن يقوم الإخوة بالفحص بوسائل أخرى، ويمكن وضع ذلك في دائرة التقصير أو في دائرة القصور. بالمحصّلة لم نكن نعلم أن سلسلة الشراء مكشوفة، ولم نستطع من خلال وسائلنا أن نكتشف وجود المتفجرات"، مؤكّدًا أنّ "تفجيرات البيجر في 17 أيلول 2024 كانت ضربة كبيرة جداً، وبعد ظهر يوم 18 أيلول 2024 كان آخر اجتماع شورى عقدناه مع السيد نصرالله، وطبعا كان غاضبا جدا، وخلاله شكّل لجان تحقيق في تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي".
وركّز على أنّه "كانت عندنا أيضا ثغرة أخرى اسمها شبكة الاتصالات، حيث كان المعنيون يفيدون بوجود تنصت لكن المعلومة أنه كان موضعيا، ولم يكن قد وصل أحد إلى أن التنصت شبه شامل أو واسع بشكل كبير جدا، إلى درجة أن الإسرائيلي يعرف كل شيء"، مبيّنًا أنّ "على مدى 17 عاما، كانت الطائرات الإسرائيلية تخرج وتحلّق كل يوم في سماء لبنان، وتحتفظ بداتا معلومات بشأن المتغيرات الجغرافية هنا وهناك. وقد تجمعت لدى الإسرائيليين معلومات كافية بشأن أماكن وجود القدرة بنسبة معينة".
وأشار الأمين العام لـ"حزب الله" إلى "أنّنا لم نكن مطلعين على سعة معرفة الإسرائيلي، واتخذنا إجراءات احتياطية لكن ما كان يعرفه الإسرائيلي أكثر. والعمالة البشرية تصبح محدودة جدا أمام كمّ المعلومات الضخم الذي توافر عبر التنصت والمسيّرات والإحداثيات التي أخذتها إسرائيل"، معلنًا أنّ "حتى الآن، لم يظهر معنا أنه يوجد خرق بشري واسع أو نوعي، ولا معطيات عن خرق بشري على مستوى شخصيات أساسية أو قادة في داخل الحزب. وحين ينتهي التحقيق، سأتحدث بصراحة أمام الرأي العام بشأن الخرق البشري ومستواه".
وكشف أنّه "كانت هناك شحنة من 1500 جهاز "بيجر" مفخخ ستصل لتركيا، فطلبنا من رئيس الحكومة السّابق نجيب ميقاتي التواصل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمصادرتها وتفجيرها"، مشدّدًا على أنّ "حزب الله عاد ووقف على قدميه، رغم التضحيات الكبيرة التي أعطتنا زخما في الوقت نفسه، وأنا قلت في تشييع السيّد نصرالله إننا أمام مرحلة جديدة لها معطياتها وأدواتها وإمكاناتها وخططها، لكننا ثابتون".
وجزم أنّ "هكذا شعب وهكذا أمة وهكذا حزب وهكذا مقاومة لا يهزمون"، مفسّرًا "أنّنا كنا نقول إن الحزب انتصر بالاستمرارية وبمنع إسرائيل من التقدّم إلى الداخل اللبناني، وهو انتصر بأن الألفة الموجودة في الداخل اللبناني بقيت على أحسن وتيرة ولم تستطع إسرائيل أن تفتعل فتنة، كما أنّ "حزب الله" انتصر بأن "إنهاءه" لم يحدث وتحقيق أهداف الإسرائيلي لم يتم وأننا مستمرون".
إلى ذلك، اعتبر قاسم أنّ "الغارات الأخيرة على 9 مبان في الضّاحية الجنوبيّة لبيروت بلا مبرر، ونفذها الإسرائيلي بالتعاون الكامل مع الأميركي وبإرشاداته"، مبيّنًا أنّ "مشروع الأميركي هو أن يأخذ بالسياسة ما لم يؤخذ بالحرب، عبر ممارسة الضغوطات من خلال إسرائيل".
وأردف: "عمليًّا نحن لا نستطيع أن نبقى صابرين إلى ما شاء الله، وتوجد حدود في النهاية ولست في محل لأحدد آليات ولا زمانا. وإذا اعتقد الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي ومن خلفه أيا كان أنهم إذا ضغطوا علينا أكثر يحققون أهدافا، فهم مخطئون"، مؤكّدًا "أنّنا سنواجه عندما يكون هناك قرار لدينا بالمواجهة. وعندنا خياران لا ثالث لهما هما النصر أو الشهادة، ولا خيار لدينا اسمه الاستسلام فهذا الأمر غير وارد".
وأوضح أنّهم "إذا أرادوا حل المشكلة، فعليهم أن يتوقفوا وأن يطبقوا ما عليهم ضمن الاتفاق، وبالتالي تسير الدولة بالطريقة المناسبة". ووجّه تحيّة إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه نبيه بري وقائد الجيش وكل المسؤولين المعنيين على "موقفهم الموحد بعد قصف الضاحية".
وكشف قاسم "أنّني أدرت المعركة بناء على تجربتي كعضو شورى ونائب للأمين العام لـ32 عاما. وفي مجلس الشورى كان السيد نصرالله يحضر الهيكليات العسكرية، وتقرر أسماء القيادات العسكرية ويتخذ القرار السياسي. وفي الشورى كنا ندرس المعارك المحتملة، وكنا نطلع على توجه المجلس الجهادي وغيرهما من المعطيات العسكرية:,
ولفت إلى أنّه "توجد مشورة إيرانية، لكن القرارات لها علاقة بالهيكلية التابعة لنا وبطريقة الإدارة، وأنّ كل مراكز القيادة العسكرية كانت موجودة ومملوءة، ولم يكن هناك موقع عسكري واحد شاغر ووضعنا بدائل بسرعة"، مركّزًا على أنّ "للصمود الأسطوري في الجبهة جانبان: أولهما الشبان الذين قاموا هناك بعمل أسطوري، والثاني يأتي من الخارج واسمه الدعم. وفي حزبنا لا يوجد عسكر وسياسة، لأن الحزب كله عسكري وسياسي".
وشدّد على "أنّنا نتعافى وجاهزون الآن". أمّا عن اتفاق وقف إطلاق النّار، فذكر أنّ "بري أرسل إلينا المقترح الذي ناقشه مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، ووضعنا ملاحظات، وجاء الاتفاق وتمت الموافقة عليه بإجماع مجلس الشورى". وأكّد أنّه ليس صحيحا أن الإيراني هو الذي ناقش الاتفاق، بل نحن أخذنا القرار ونحن أبلغنا موقفنا وهو قرار لبناني. الاتفاق وافقت عليه الدولة اللبنانية بالواسطة وبالمفاوضات غير المباشرة، بعد أن وافق حزب الله وحركة أمل عليه".